الاثنين، 12 ديسمبر 2022

خليفة اليعقوبي النهر الجاري

     بقلم يحيى المعشري ✍🏼


هل تعرفون الأستاذ  خليفة اليعقوبي؟ 
نعم؟ نعم أيها الزملاء والزميلات، هل تعرفون الأستاذ خليفة اليعقوبي؟

إنّ كانت إجابتكم بنعم فهي غنيمة فحافظوا عليها وإنّ كانت بالنفي فإليكم شيئًا من سيرة شخصية إنسانية تتسم بالموضوعية في العلاقات الإنسانية؛ سأسبر أغوارها قدر المستطاع من خلال ربطها في المجتمع الوظيفي وليتني أُجيد فك طلاسمها، فالعلاقات الإنسانية عند اليعقوبي تعدّت فرع أو مجال من مجالات المجتمع إلى فلسفة الشمولية.

في اي بداية ثمانينات القرن المنصرم عندما بدأ الشاب خليفة اليعقوبي يخطُ ملامح البدايات في البلديات بوظيفة كاتب وليكن كاتب فقراءة الوجوه من عناوينها أعظم كتابة تُخط في ميادين الحياة، كان يتمتع بوشائج العُماني البسيط الذي نظرَ في خريطة مسقط رأسه ولاية عبري فوجدها رغم اتساع رقعتها مليئة بالخيارات؛ هناكَ في مسرح العمل؛ تقاطرت عليه السنوات وهو يشعل فتيل العطاء خارج نقاط التغطيات، وفي العام الثالث من التسعينات أسندت إليه مهمة مدير دائرة شؤون البيئة بالوكالة فأناخ راحلة الوظيفة إلى التكليف وما أعظمها، خلف كل إغماضة ليل حلمٌ يسرد الحكايات وخلف دياجير الظلام تعبث الصباحات الأولى بالليالي؛ لتسرد حكاية من نور، فمنذ اختيار السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه أمكنة خاصة فسيحة بعيدًا عن صخب المدن وضجيج الأمكنة، هدوءٌ يخيم على المكان، حينها كان الأستاذ خليفة اليعقوبي يفترش الأرض في سيح المسرات، محلقًا في فضاء عبري الشاسع، النجوم وكأنها أحزمة النور، أخذ اليعقوبي يخرج من شرنقة الزيارات والمتابعات ومراقبة المحلات وما يحيط بالمحلات، فيعرجُ على تهيئة المكان وتنظيم ما يتعلق بالأعمال البيئية. واستمر به الحال إلى أنّ وثق حضوره اللافت في نهاية التسعينات ليصبح المديـر الذي يدير دفة شؤون البيئة ولأن كاريزما اليعقوبي تميل إلى التجربة وخوض ما هو جديد، فالأمنيات لا تفيق من هذيانها فأُوكلت إليه إدارة التوعية والعلاقات العامة في العام ٢٠٠٧ للميلاد وفيها انبجست عين الإعلام وفيها قويت شكيمة العلاقات، مارس عمله الجديد بمهنية تامة وتوطدت علاقاته من خلال تصالحه مع ذاته وفيها بنى جسرًا من العلاقات وبنى سلمًا إعلاميًا يعانق سدود البلديات، لن أبقى طولًا، نحن محكورون بالوقت، ساعات المساء تتعاقب وتأتي الليالي سريعة إلى حين أنّ وُجدَ في اليعقوبي ميزةَ أخرى؛ لربما كانت مطلبه أو خيارٌ أوقعته فيه الظروف وكيف لنا أنّ نتحكم في الأقدار التي تساق إلينا كما تساق ملفات وظائف أبناء جلدتنا إلى مكاتب الموارد البشرية.
 فكان الخيار هذه المرة أنّ يصبح اليعقوبي مديرًا لدائرة الشؤون الإدارية والمالية، وما بين الإعلام والعلاقات والإدارة والمال بون شاسع، حتمًا كان اليعقوبي عند التحدي وكان لا يغرق في يمّ المواقف، وعلى ضفاف أفلاج موارد المياه وصيانتها عينيه تحدق إلى المناقصات ومن خلف أسلاك المرادم كانت مخاطبات دائرة الصحة الوقائية تأتيه بعروض الأسعار ولا يعارضها وفي قاموس التجارب عند اليعقوبي فلسفة تمتد باتساع المسؤوليات، فأُختير ليكون أحد فرسان البلديات وهذه المرة بوظفية مديـر بلدية، كان بصره معلقًا في المال والإدارة وما بين الخيارين تختلف المهام وتتجدد التجارب؛ فأزاح المهام القيادية السابقة؛ ليدمجها في مهمة إدارة البلدية وما أضناها، فما نراه نحن عسيرًا قد يراه اليعقوبي في سياق مضمار التجارب بالمجتمع الوظيفي مهمة سهلة وذاكرة وطن على صيغة تدرّج في الوظائف، ومع البدعة الجديدة التي اختلقها البعض وراح ضحيتها أُناسٌ كان ذنبهم الوحيد أنّهم وضعوا الوطن في طليعة الألويات ، كان هذا الفصل في العام ٢٠١٦ للميلاد من فصول الحياة، فأوكلت إلى اليعقوبي وظيفة مديــر مختص وفيها انتهاك لسنوات سفحها بين ميادين البلديات والزيارات الممتدة إلى العاصمة مسقط والعلاقات الإنسانية التي جعلت من سجيته سيرة عطرة، ولأنني أؤمن بالتجارب وأؤمن بأنّ من تشرّب من هذا الكم الهائل من المعارف يستطيع أنّ يطوعه في أي مكان وأي مآل تسوقه إليه الأقدار وكان من حسن الطالع الذي وطدّ المعرفة بيني وبينه وإنّ كانت على بساط الريح؛ حينما أتى العام ٢٠١٧ للميلاد فأوكلت إليه إدارة الرقابة الصحية والصرف الصحي وبين زيارات الزملاء الميدانية وحضور اليعقوبي للمؤتمرات والندوات التي تعقد في مسقط، كانت اللقاءات فيما بينهم تتسم بالحميمية والود أكثر من كونها أوراق عمل ومحاضرات يدلقها الأساتذة والخبراء فينهلوا من تجارب الآخرين معارف علمية يستندوا بها من خلال التطبيق الميداني؛ وحسب اليعقوبي أنّ غَنِم بالوسيلتين، وبين تلك الوظائف القيادية كان اليعقوبي ينال الثقة عندما يهم المديـر العام للتمتع بإجازته الاعتيادية فيقع الاختيار عليه، فما أصغر الوظيفة عندما يكبر من تبوأها.
لم أحظَ كثيرًا التشرف بلقاء اليعقوبي في مناسبات رسمية، عدا مرتان وكلاهما كانتا كفيلتان لكي يتكشّف لدي ملمح من شخصيته المرحة في محادثته مع الزملاء؛ احترامًا وتقديـرًا والجدية الحازمة عندما يتعلق الأمر بالعمل وتطبيق معاييـر السلامة في المحلات والمصانع الغذائية والأخذ بالتدابير الوقائية بداخل المنشآت المتعلقة بالأنشطة المهنية، ومقيمًا مهمًا لأعمال النظافة العامة والبيطرية والفحوصات المخبرية، وعندما كنتُ على شفا التنسيق لأمرٍ متعلق بالعمل كان عليّ أنّ أهم بالخروج من مكتبي بدائرة الصحة الوقائية وفي مرمى البصر جاءني فجأة صوتٌ أجش يتسلل من بين ممرات الرقابة الصحية؛ يدغدغ مسامعي وكأنه عيارٌ ناري وضعَ على صدغي، عدا أنّه لم يكن طلقة نارية طائشة أظلت طريقها ولم تكن محازم تهادت من بين جدران المديرية وأنا أحدق في الممر المفضي إلى مكتب المهندسة نعيمة الخروصية فإذا به يطلق صيحة لطيفة مرحبًا بي وفي صمتِ مطبق أمام المزاح الغير مصطنع؛ يُقبل علينا اليعقوبي وهو مثقل بتجارب السنين وخبرات تراكمية لو دونتها البلديات لاحتاجت إلى جيوشٍ من الإعلاميين، وفي أتون ليالي البلديات والفضاء القانوني يموج بصرخات الاشتراطات الصحية التي وضعها الراحل محمود زكي ونفر من أبناء جلدتي، ينقلب السكون في أعمال الرقابة الصحية إلى عالمٍ من الترقب، حيث شهر البلديات، هناك في تشويقة المنافسات في من يتوج بالكأس، تلكَ اللحظات التي يعتبرها اليعقوبي الدهشة الجميلة التي توقظ الأدوار الجديدة وعلى الوجوه المتعبة؛ جرّاء المسافات التي كان عليها أنّ تقطعها إلى المحافظات فيما يعرف بالمهمات الرسمية، وفي صمت طويل يُرخي خليفة اليعقوبي تعليماته على المهندسين والمهندسات الذين ينساقون إلى المحافظات من مبنى البلديات بالخويــر؛ فالتجارب وخبرات الميدان والتعامل المباشر مع الأحداث هي الديدن التي يخرجكَ من عضل الإشكالات إلى الحلول الناجعة، حروف وضاءة سطرها اليعقوبي في أروقة البلديات، سرحتُ في خيالي وأنا أقلّب هذه السيرة الحافلة، فإذا ما وقع بصري على محرك البحث العالمي "جوجل" على خبر بلديات الوسطى التي تناقش الخطة التوعوية للتعريف بمركز سلامة وجودة الغذاء وكان في الخبــر حضور آخر لليعقوبي وهو مديرًا لدائرة سلامة وجودة الغذاء بالوسطى، إذًا هو شاهدًا على ملحمة البدايات لمركز سلامة وجودة الغذاء وهو أحد الذين خطّوا اللبنة الأولى لتروي السنوات القادمة فيما بعد عن شخصيات وأحداث سكنت البلديات، مطرٌ سيهطل وتبتل الشوارع بالسيل العارم، زوبعة فنجان وفتيل حكاية مرت من هنا، وقبل أنّ أختم سطوري هذه عن شخصية حق لها أنّ تجد مساحة تليق بها؛ خارج بعثراتي؛ تقع عيني على زوايا من شخصية خليفة اليعقوبي الذي مثل السلطنة في العديد من المشاركات والمحافل الخارجية عندما كان حكمًا دوليًا للسباحة وترأس وفد السلطنة لذات اللعبة في المملكة العربية السعودية وقطر والكويت ومدربًا لفريق الظاهرة لسنوات طويلة، كما ترأس وفد الشباب العُماني للرياضة في ملمحين رياضيين؛ الأولى في أرض الكنانة مصر الحضارة والأخرى في المملكة المغربية ولن تقف السيرة عند هذا الحد فقد شارك في لجان محلية وترأس المهرجانات الوطنية ومساهمًا أصيلًا في لجان التعداد الوطنية.
قد أكتب عن اليعقوبي كثيرًا، لربما لم أفرغ من الكتابة وقد أحتاج إلى أقلامٍ تسطر إنجازاته، فالقلم في حضرته يسيل كالنهر الجاري، لكنني أصل إلى هذا الحد الذي تفاجأت به عندما أبلغني المهندس علي الغافري في لقاءِنا المسائي في الرابع عشر من حزيران وعلى وجوهنا خمار كورونا، حيث تختفي الوجوه عن الوجوه وكان متأسفًا وأمارات الحنق تبدو واضحة على وجهه وكأنه يقول يا لهذا العام الذي تسقط فيه أوراق الزملاء وكأنها ساعة الرحيل الملتهبة، كان المهندس هيثم الهاشمي يصيخ السمع إلى حديثه وكنت ألتقط الذكريات التي جمعني بالأستاذ الجليل خليفة اليعقوبي وكنت أتساءل في سري عن الصفحات الجميلة في حياتنا التي طوتها البلديات، وعزائي أنّ رحلة الحياة الفسيحة ممتدة ولا يمكن أنّ تُطوى من الذاكرة؛ تمامًا كالكتابة، رسالتي إلى معلمي وأستاذ
ي خليفة اليعقوبي أنتَ جزء من الذاكرة؛ عِشها بأجمل تفاصيلها.